طفلين قتلا وجرح ثلاثة في الهجوم الذي نفذته ايران في السادس عشر من يناير 2023 داخل الأراضي الباكستانية بينما أعلنت طهران ان الهجوم استهدف مسلحين تابعين لجماعة جيش العدل المعادية لحكومة طهران، بينما قتل تسعة اشخاص بينهم أطفال وسيدات في الهجوم الذي نفذته باكستان في الثامن عشر من الشهر نفسه أي بعد يومين من الهجوم الإيراني، وذلك بعد ان فشلت المساعي الدبلوماسية لتهدئة غضب اسلام اباد خلال اليومين بين الهجوم والرد ، خاصة وان طهران ومسؤوليها ابتداء بوزير خارجيتها حسين امير عبد اللاهيان لم يعتذر عن هجوم بلاده على اهداف داخل الأراضي الباكستانية بل تحدث عن الهجوم وكانه اجراء على اسلام اباد تقبله عقابا على تعقب الأجهزة الإيرانية لدور لما تقول بانه ضلوع لعناصر من جماعة جيش العدل المعادية لإيران في هجمات استهدفت عدة مواقع داخل ايران مؤخرا ، بينما قالت باكستان ان الأهداف التي هاجمتها داخل ايران هي لجماعات بلوشية انفصالية معادية لباكستان ، فصل من التوتر ما لبثت ان حاولت اسلام اباد طيه بسرعة من خلال اعلان المسؤولين الباكستانيين استعداد بلادهم للحوار حول كافة المواضيع مع طهران وإعادة العلاقات الدبلوماسية الى ما قبل الهجوم الإيراني ، وذلك برغم عدم اعتذار ايران عن الهجوم الذي نفذته رغم انها كانت البادئة باختراق الأجواء الإيرانية واختراق السيادة الباكستانية.
مما يطرح أسئلة كثيرة حول تفاصيل هذين الهجومين ودلالاتهما وكيف سيؤثران على العلاقة بين البلدين وتبعات هذه الهجمات على التطورات الإقليمية.
فمن ناحية تشير تقارير إيرانية الى ان إيران اعتقدت بأن باكستان علمت بنشاطات الجماعات المسلحة المعادية لإيران ولم تحاول ايقافها او ابلاغ السلطات الإيرانية عنها، وبالمقابل كانت باكستان تلوم إيران بسبب عدم إيقاف الأخيرة هجمات جماعات مسلحة معادية لباكستان خلال الشهور الماضية وهو ما تسبب في زيادة وتيرة الهجمات داخل باكستان.
كل هذه المعطيات وعدد كبير من المعطيات حول حذر العلاقات الثنائية الباكستانية الإيرانية منذ عقود وخاصة بعد الخلاف الكبير الذي نشأ بداية التسعينات بسبب تسريب ايران معلومات حول اتجار باكستان بالأسلحة الاستراتيجية وما تبع ذلك من تنامي لدور ايران الإقليمي والدولي والذي لم توقفه العقوبات الامريكية والدولية بسبب البرنامج النووي الإيراني او التحفظات الأخرى للمجتمع الدولي حول ايران وسلوكياتها الإقليمية، ولذلك فان العلاقة الباكستانية الإيرانية منذ مطلع التسعينات توصف بأنها إيجابية ولكن بحذر كبير يصل الى مستوى محدودية الثقة.
هذه الثقة المحدودة جعلت اللجوء الى القوة من إيران أولا ومن ثم من باكستان يسبق التفكير في الحوار حول المواضيع التي تهم البلدين، وان كان البلدان عادا الى الحوار بعد اقل من يومين على استخدام الصواريخ ولكن حوار ما بعد الصواريخ لا يشبه ما قبلها!
فالحوار الذي سيجري الآن بين باكستان وإيران سيكون على أساس كف الأذى وليس على أساس تلاقي المصالح كما كانت تدعي حوارات البلدين خلال السنوات الماضية، وهو ما لم ينجح كثيرا خصوصا مع استمرار العقوبات الدولية على إيران والذي أدى بالتبعية الى محدودية التعاون بين البلدين في عدد من المجالات.
ولكن حوار ما بعد الصواريخ سيركز الآن على التنسيق الأمني الحدودي والتعامل مع ملفات التهريب والجماعات المسلحة التي توظف التهريب لتمويل نشاطاتها من جهة ولتمرير المواد الخام لما تنفذ به الهجمات في الجانبين.
فالمناطق الحدودية بين البلدين الى جانب احتضانها لنشاطات جماعات مسلحة تحتضن قبائل بلوشية توصف بانها متصلة عرقيا بالعرب الذين سكنوا هذه المنطقة لعقود في الماضي وحكموا جزءا منها، هؤلاء البلوش بالنسبة لباكستان هم قبائل تشكو من قلة التمويل الحكومي للتنمية في إقليم بلوشستان رغم مساحته الكبيرة والثروات الكثيرة التي تستخرج منه، بينما بالنسبة لإيران فان إقليم سستان بلوشستان يشكل أحد معاقل السنة من أصول عربية والذين يعارضون أيضا سلطة حكومة طهران ويعتبرونها مقصرة في التنمية والتمويل لإقليمهم.
فالملف هو نزاع دولتين ضد مجموعات مسلحة ذات انتماءات عرقية ومذهبية إشكالية، وهذه الإشكالية تلقي بظلالها على تعاطي البلدين مع هذا الموضوع بحساسية مفرطة، فليس من مصلحة أي منهما ان يقوما بعمليات امنية في إقليم مضطرب من اجل تحقيق مصالح امنية لدولة أخرى.
لكن ما حصل خلال الأيام الأخيرة سيفرض التفاوض على تبادل المصالح بشكل دقيق في هذا الملف الشائك خاصة وان الإقليمية المتجاورين في البلدين يشكلان تحديا بجغرافيتهما وعواملهما القبلية واللوجستية ولذلك لا يحتاج البلدان الى مزيد من التعقيدات في التعامل مع التحديات المذكورة، لكن التفاوض مع وجود فجوة الثقة التراكمية سيجعل النتائج المرجوة من هذا التفاوض بعيدة المنال الا إذا غيرت الصين وهي القوة الوحيدة التي تملك نفوذا على قرار البلدين تحويل مبادرتها بالوساطة لتخفيض التوتر الى مبادرة لبناء الثقة بين البلدين ودفع التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني في المدى المنظور.